تفسير العقد على ضوء القانون المدني الجزائري

مقدمة
مع اية عقد الثمانينيات،كانت رياح التغيير قد هبت على كثير من دول العالم لتتحول من
الأحادية إلى التعددية ومن الاشتراكية إلى الليبرالية ولتتبن في الأخير النظام الديمقراطي الليبرالي.
ولم تستثن رياح التغيير الجزائر، التي عرفت تحولات جذرية بعد أحداث أكتوبر 1988
لتعلن عن الطلاق النهائي مع التوجه الاشتراكي والأحادية الحزبية، وقد بينت لنا التجربة الجزائرية
أن عملية التحول نحوالنظام الديمقراطي ليست عملية محسومة سلفا، كما أا ليست استنساخا آليا
لقوانين وتجربة أوروبية، بل هي مسعا تراكميًا يخضع باستمرار للتطوير والنقد والمراجعة.
إن الرغبة في المراجعة والنقد، والأمل في الاكتشاف والتطوير هوما تسعي إليه هذه
الدراسة، فهل كان أمرًا حتميا ما وقع للجزائر طيلة عقد التسعينات أم كان بالإمكان تجاوزه.
إنه ورغم أننا استوردنا كل القوانين والنظم التي يقام عليها البناء الديمقراطي لكننا لم
نحصل على النظام والدولة الديمقراطية التي تمثل قيم الحرية والمساواة والعدالة، ولم تستطع عديد
الانتخابات التي جرت بعد إلغاء المسار الانتخابي عام 1992 إلى اليوم، من التأثير في توزيع
السلطة بين التيارات السياسية المختلفة التي يعرفها اتمع، بل ومازالت عملية الاقتراع ذاا محل
شك كبير في نزاهتها وشفافيتها، فلم تكن المنظومة القانونية والدستور وكل المواثيق التي تحدثت
عن الديمقراطية انعكاسا لنضوج القيم والمبادئ والتقاليد الديمقراطية لدى الطبقات الشعبية والطبقة
السياسية، بل حتى القوى الرافعة للواء الديمقراطية والتغيير لم تتمثل القيم الديمقراطية ولم تستطع
التعبير عن صدقيتها وعن جدارة رفعها لهذا الشعار.
في المقابل نجد دولة مثل بريطانيا ليس لها دستور ينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة أوينص
على تمجيد الديمقراطية، لكنها في المقابل تتمتع بأرقي أنواع الديمقراطية في العالم.
وهوما أدى بنا إلى التساؤل عن إمكانية قيام الديمقراطية رد استنساخ منظومة قانونية
تشرع للديمقراطية، وهل يمكن قيام ديمقراطية في واقعنا السياسي وهي مغيبة عن واقعنا الاجتماعي،
وداخل أحزابنا السياسية وعن جميع أنساق اتمع بدء بالأسرة.
لقد كان الانشغال الكبير في هذه الدراسة هومعرفة أسباب تدني الممارسة الديمقراطية في
الجزائر، في المقابل نحاول معرفة العوامل التي أدت إلى نجاح التجربة الديمقراطية الغربية. وقد انطلقنا
في هذه الدراسة من التعريف البراغماتي الأنجلوساكسوني الذي يعتبر الديمقراطية مجرد آلية ووسيلة
للحكم، محاولين فك الارتباط بين الديمقراطية والأيديولوجية، لأن التعريف الأيديولوجي يجعل
الديمقراطية في الجزائر معادية للتوجهات الشعبية ولرأي الأغلبية.
وقد اعتمدنا في دراستنا، المقاربة التي تعتبر الفكر موجها وصانعا للواقع الاجتماعي والتأكيد على
البعد والمنهج الثقافوي وضرورته لترسيخ الممارسة الديمقراطية.
وعليه ولتحقيق هدف الدراسة، قسمنا البحث إلى جانبين، تناول الأول الجانب النظري،
وتناول الثاني الجانب الميداني.
وقد ضم الجانب النظري ستة فصول، تناول الفصل الأول الإطار المفاهيمي للدراسة ومحاولة لبلورة
إشكالية الديمقراطية في الجزائر، وتحديد أهم مفاهيم الدراسة لغة واصطلاحا بالإضافة إلى المفهوم
الإجرائي المعتمد.وفي الفصل الثاني وهوعبارة عن مدخل عام للديمقراطية تناولنا من خلاله
التعريف بالمصطلح وضبط مدلولاته وماهيته وتتبع منشأه وتطوره بالإضافة إلى المبادئ الأساسية
للديمقراطية ، أما في الفصل الثالث فقد قمنا بمتابعة تاريخية واجتماعية لبروز الديمقراطية في كل من
بريطانيا وفرنسا وأمريكا وذلك لمعرفة أهمية البعد الثقافي والاجتماعي في بروز اتمع الديمقراطي
وأهمية هذا الأخير لقيام نظام ديمقراطي.
في الفصل الرابع نعرج إلى التجربة العربية، وذلك للترابط الكبير التاريخي والثقافي
والاجتماعي بين الجزائر والعالم العربي فالإلمام بالتجربة العربية يمكننا من تفسير كثير من الظواهر
الخاصة بالتجربة الجزائرية.
وننتقل في الفصل الخامس بين الأحزاب والتيارات الإسلامية لمعرفة موقع الديمقراطية في
الخطاب الإسلامي،وذلك لأهمية البعد الديني في تحديد علاقة الجزائريين بالديمقراطية. وفي الفصل
السادس نتطرق إلى التجربة الجزائرية، لنبحث في أسباب تدني الممارسة الديمقراطية وأهمية البعد
الأخلاقي والثقافي في تجسيد الديمقراطية في الواقع السياسي.
وأما في الجانب الثاني أي الدراسة الميدانية فقد تعرضنا إلى الأسس المعتمدة في الدراسة
الميدانية والهادفة في دراستنا إلى التحقق من صدقية الفرضيات، ومعرفة موقف النواب المبحوثين
منها وقد ضم الباب الثاني الفصل السابع والفصل الثامن، بحيث تناولنا في الفصل السابع الإطار
المنهجي للدراسة، والذي ضم محاولة تعريفية بالإطار المنهجي للدراسة، بحيث تطرقنا من خلاله إلى
مجالات الدراسة، وكذا المناهج والتقنيات المستعملة في جمع البيانات وهي الملاحظة والاستمارة.