abas017 طاقم الإشراف
عدد المساهمات : 484 تاريخ التسجيل : 22/02/2010
| موضوع: علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي السبت مارس 19, 2011 10:27 pm | |
| 166- ____________________ علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي - ص.ص. 159 159 علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي الأستاذة حسينة شرون جامعة محمد خيضر بسكرة الملخص : إن مسألة العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي تثير عدة إشكالات قانونية، تتعلق أساسا بتدرج القانون؛ هل القانون الدولي أسمى أو أدنى مرتبة من القانون الداخلي؟ وبالمقابل هل يتم التعامل مع القانون الداخلي بنفس الطريقة داخل إطار النظام القانوني الدولي؟ هذه التساؤلات أسفرت عن وجود العديد من المواقف النظرية لإيجاد الحلول العملية لها. ونفرق في هذا الصدد بين مذهبين أولهما يميل إلى وجود وحدة في القانون والثاني إلى وجود ثنائية بين القانونين الدولي والداخلي. ومن أجل إيجاد مكانة القانون الدولي في النظام القانوني الداخلي نجد أن الدستور الداخلي في كل دولة هو الذي يحدد العلاقة بينهما. وهذا ما سوف نوضحه بالتركيز على موقف المشرع الجزائري مقدمة : إن تداخل العلاقات الدولية واتساع نطاقها في العصر الحديث، أدى إلى تطور القانون الدولي وتقدمه بشكل أصبحت معه موضوعاته تشمل تلك التي كانت تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدولة. ولذلك فإن مسألة العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي تثير عدة إشكالات قانونية، تتعلق أساسا بتدرج القانون؛ هل القانون الدولي أسمى أو أدنى مرتبة من القانون الداخلي؟ وبالمقابل هل يتم التعامل مع القانون الداخلي بنفس الطريقة داخل إطار النظام القانوني الدولي؟ إن هذه التساؤلات أسفرت عن وجود العديد من المواقف النظرية لإيجاد الحلول العملية لها. فأصحاب النظرة الكلاسيكية التي تأخذ بفكرة الإرادية في وجود القانون الدولي يأخذون بمذهب الثنائية بين القانونين الدولي والداخلي والانفصال التام بينهما. أما أصحاب النظرة الحديثة المبنية على المفهوم الموضوعي للقانون، فيميلون إلى الأخذ بمذهب وحدة القانونين والاشتقاق فيما بينهما. وعلى هذا الأساس؛ فإن دراستنا ستتعرض إلى: مبادئ وأسس المذهب الثنائي والانتقادات الموجهة إليه في المبحث الأول، وعلى نفس النهج المذهب الوحدوي، ثم نحاول الوصول لما يجري عليه العمل الدولي المعاصر، وتحديدا لما هو معمول به في الجزائر في مبحث ثان. " Le Dualisme " المبحث الأول: مذهب ازدواجية القانون إن مذهب ازدواجية أو ثنائية القانون يقوم على أساس اعتبار القانون الدولي قانون تنسيق لا يقوم إلا رضا الدول، فالقانون الدولي والقانون الداخلي يعدان- حسب أصحاب هذا المذهب – نظامان قانونيان منفصلان ومستقلان تماما عن بعضهما البعض. ويتزعم هذا المذهب الألماني تريبيل والفقيه الإيطالي أنزيلوتي، وهما يذهبان إلى أن القانونين ينظمان علاقات اجتماعية مختلفة. وعليه يتناول هذا المبحث؛ الأسانيد والنتائج المترتبة على الأخذ ذا المذهب في المطلب الأول منه، ثم الانتقادات الموجهة له في مطلب ثان. المطلب الأول: الأسانيد والنتائج عن الأخذ بمذهب ازدواجية القانون. ككل المذاهب والنظريات، يبني أنصار مذهب الازدواجية، آراءهم على جملة من الأدلة والأسانيد، تترتب عليها نتائج نتناولها فيما يلي: الفرع الأول: أسس وأسانيد مذهب ازدواجية القانون. -1 من حيث مصدر القانون : إن القانون الدولي العام ينظم علاقة اجتماع دول، وهو تعبير عن إرادة مشتركة لعدة دول، قد يكون التعبير عنها في شكل اتفاقيات دولية، أو ضمنيا كأعراف دولية، أما القانون _______________________________________________________________________________ 2007/ مجلة الباحث – عدد 5 160 الداخلي فهو يهتم بعلاقة اجتماع الأفراد ومصدره هو الإرادة المنفردة للدولة، ولذلك ليس لأي من القانونين سلطة وضع قواعد الآخر أو تعديلها أو إلغائها، فالنظامان ينبعان من .( مصادر مختلفة( 01 -2 من حيث الأشخاص المخاطبين بقواعد كل من القانونين: إن القانون الداخلي هو قانون الأفراد داخل نطاق إقليم دولة معينة، فينظم إما علاقات الأفراد فيما بينهم،وهو القانون الخاص أو علاقام مع الدولة وهو القانون العام لكن القانون الدولي العام يطبق على الدول ذات السيادة. -3 من حيث طبيعة النظام القانوني : إن النظام القانوني الداخلي مبني على سلسلة من الهيئات والمؤسسات العليا التي تضطلع بمهمة وضع القانون وتطبيقه وتنفيذه وتوقيع الجزاء إذا ما تمت مخالفته، أما ما نجده في النظام القانوني الدولي فهو يختلف تماما باعتبار أن قواعده هي إما قواعد اتفاقية أو عرفية، فلا نجد أثرا لمثل تلك المؤسسات لدى القانون الداخلي، بالإضافة إلى أن مبدأ طاعة القانون هو السائد عند تطبيق القانون الداخلي، وبالمقابل نجد مبدأ العقد شريعة المتعاقدين .( يحكم معظم قواعد القانون الدولي( 02 الفرع الثاني: النتائج المترتبة على الأخذ بمذهب الازدواجية. إن أهم ما يقوم عليه مذهب الازدواجية القانونية، هو انفصال واستقلال كل من القانون الدولي عن القانون الداخلي، وبالتالي استحالة تطبيق محاكم أي من النظامين لقواعد تنتمي إلى النظام الآخر لأما لا ينتميان إلى نفس دائرة الاختصاص( 03 ) وهذا يترتب عليه عدة نتائج نذكرها فيما يلي: -1 استحالة قيام التنازع بين القانونين: من المسلم به أن التنازع بين القواعد القانونية لا يكون إلا إذا كانت تلك القواعد تنتمي لنظام قانوني واحد، ولما كانت قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الداخلي مختلفة من حيث الهدف، ومن حيث العلاقة الاجتماعية التي تنظمها، فإن هيئات الدولة وعلى رأسها الهيئات القضائية، ملزمة بمراعاة أحكام القانون الداخلي، بغض النظر عن تعارضها أو توافقها مع قواعد وأحكام القانون الدولي. وإذا كان القانون الدولي يوجب على الدولة أن تجعل من قانوا الداخلي متوافقا مع التزاماا الدولية، فإن أقصى ما ينتج عنه هو تحملها المسؤولية الدولية التي يقتصر جزاؤها على مجرد التعويض عن هذا التقصير في الالتزام دوليا. كما لايمكن أن يمتد أثرها إلى إلغاء القانون الداخلي المخالف للقانون الدولي أو التأثير على قوته الملزمة داخل النظام القانوني الداخلي. -2 استحالة تطبيق قواعد القانون الدولي مباشرة: إذ لا تسري قواعد القانون الدولية بصفة إلزامية في النظام القانوني الداخلي مباشرة، ولكن لابد من تحويلها إلى قواعد داخلية وفقا لما يتم النص عليه في الدساتير الوطنية لتطبيق الاتفاقيات الدولية. إذن يجب أن يتم تغيير طبيعتها الدولية أصلا إلى قواعد داخلية حتى يتم تعديلها أو إلغاؤها، مع إمكان ترتيب المسؤولية الدولية على النحو السالف الإشارة إليه، فيمتنع على القضاء الدولي تطبيق القواعد القانونية الداخلية إلا إذا تحولت إلى قواعد قانونية دولية، وبالمقابل يمتنع القضاء الداخلي تطبيق القواعد القانونية الدولية إلا إذا تحولت إلى قواعد قانونية داخلية بإتباع الإجراءات .( القانونية المطلوبة داخل إقليم كل دولة( 04 -3 نظام الإحالة: إذا كان من غير الممكن تصور التنازع بين القانون الدولي والقانون الداخلي، يرى - أنصار هذا المذهب – أنه بالمقابل يمكن إحالة أحدهما إلى الآخر لاستكمال أحكامه. فنجد مثلا في باب إحالة القانون الدولي إلى القانون الداخلي، القواعد الدولية الخاصة بمواطني الدولة، أو تلك المتعلقة بحقوق الأجانب، فتحديد صفة المواطن أو الأجنبي هو أمر متروك لقانون الجنسية وهو قانون داخلي. أما في باب إحالة القانون الداخلي إلى القانون الدولي، فنجد القواعد الداخلية التي تخص امتيازات وحصانة المبعوثين الدبلوماسيين، ونجد كذلك القواعد الداخلية المتعلقة بحالة الحرب التي يترك تعريفها للقانون الدولي. المطلب الثاني: الانتقادات الموجهة لمذهب الازدواجية. على الرغم من كون مذهب الازدواجية نجح في التوفيق بين سيادة الدولة وخضوعها للقانون الدولي في ذات __________________________________________________________________ علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي 161 الوقت باعتبار أن النتيجة الأساسية التي يكرسها مبدأ سيادة الدولة هي عدم قابلية القاعدة الداخلية للإلغاء لمخالفتها القانون الدولي؛ لكنه ككل المذاهب تعرض للانتقاد والتقويم، دم الحجج التي بني عليها ، ودحض أسسه عمليا مما جعل الفقه المعاصر يهجر العمل به؛ وهو ما نعرضه فيما يلي: - ليس صحيحا اختلاف المصادر بين القانونين، ذلك أن قواعد كل منهما هي نتاج الحياة الاجتماعية، فمصدر القاعدة القانونية دولية كانت أو داخلية هو جملة من العوامل الموضوعية والظروف الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية التي تدفع القاعدة القانونية إلى الظهور، ويبقى الاختلاف في طريقة التعبير لا غير؛ فنجد القانون الدولي قانون اتفاق الإرادات، والقانون الداخلي قانون الإرادة المنفردة والقانون في الحالتين هو من صنع الدولة دائما. - ثم إن الاختلاف في الأشخاص المخاطبين بقواعد كل من القانونين الدولي والداخلي، حسب زعم أنصار الازدواجية، زعم خاطئ؛ إذ لا وجود للدولة دون الأفراد سواء كانوا حكاما أو محكومين، وإذا كان القانون الدولي يخاطب الدولة فإنه في حقيقة الأمر يخاطب الأفراد الذين يكونون اتمع الداخلي للدولة، بالإضافة إلى أن القانون الدولي اليوم أصبح يخاطب الأفراد مباشرة فيرتب لهم حقوقا ويحملهم بعض الالتزامات الدولية. وبالمقابل نجد أيضا أن قواعد القانون الداخلي العام والخاص تخاطبان أشخاصا مختلفة ومع ذلك نجدهما متعايشان دون أن ينادي أحد بانفصالهما. - أما على المستوى العملي فنجد أنه من الجلي الضعف المنطقي الذي يقوم عليه مذهب الازدواجية، إذ لا يمكن تصور سريان قاعدتين متناقضتين، تنظمان الموضوع ذاته .( وتكونان مقبولتان قانونا في آن واحد( 05 - كما نجد على الصعيد الدولي الكثير من القواعد الدولية التي تطبق مباشرة دون تحويل ودونما الحاجة إلى إدخالها في النظام القانوني الداخلي بموجب إجراء اندماجي. فليس صحيحا ما يراه أنصار الازدواجية من انعدام التأثير والتأثر بين القانونين، لأن الواقع عكس ذلك؛ فعملية الاستقبال ليست عامة ولا مطلقة، ولا نجدها تطبق إلا على مصدر واحد هو الاتفاقيات الدولية، أما بالنسبة لباقي المصادر كالأعراف الدولية التي تعتبر جزءا من القانون الداخلي دونما الحاجة لتحويلها بإجراء خاص لتبنيها في النظام القانوني الداخلي. ثم إن ما توصل إليه أنصار الازدواجية من أن الدولة تستطيع مخالفة قواعد القانون الدولي بواسطة تشريعاا الداخلية وإن تحملت المسؤولية الدولية في ذلك، ليس دليلا على الانفصال بين القانونين بقدر ماهو تأكيد على ضرورة احترام القانون الداخلي للقانون الدولي. وغني عن البيان أن الاتفاقيات الدولية، لا تطبق من قبل المحاكم الدولية إلا إذا كانت تلك الاتفاقيات مشروعة على الصعيد الدولي، كما أن تفسيرها يكون بوصفها قاعدة دولية لا قاعدة داخلية. "Le Monisme " المبحث الثاني: مذهب وحدة القانون على العكس من مذهب الازدواجية، يرى أنصار مذهب وحدة القانون؛ أن القانون سواء كان داخليا أو دوليا يشكل وحدة واحدة تتدرج قواعدها بشكل دقيق ومتتابع، وهذا ما قد يقوم معه أحيانا التنازع بين تلك القواعد، غير أن مسألة التدرج تلك؛ أوجدت تيارين اثنين تتباين آراؤهما في تحديد أي القانونين مشتق من الآخر؛ أحدهما تبنى فكرة سيطرة القانون الدولي، أما الثاني فأخذ بفكرة اشتقاق القانون الدولي من القانون الداخلي وتبعا لذلك سمو القانون الداخلي. وعلى هذا الأساس سنعرض في هذا المبحث؛ الأسس التي ينادي ا أنصار وحدة القانون وسمو القانون الداخلي والانتقادات التي تعرضت لها، وبالمقابل الأسس التي تبنى عليها فكرة الوحدة مع سمو القانون الدولي وتقييمها. المطلب الأول: وحدة القانون وسمو القانون الداخلي. تزعم هذا التيار الفقهاء الألمان أساسا، أمثال موسر، زورن، ماكس ويترل، بالإضافة إلى الفقيه الفرنسي ديسنسير فرنانديار. ويقوم هذا الاتجاه على أساس أن القانون الدولي منبثق عن القانون الداخلي مع تفضيل القانون الداخلي، واعتبار أن القانون الدولي هو القانون الخارجي للدولة لأنه _______________________________________________________________________________ 2007/ مجلة الباحث – عدد 5 162 يختص بتنظيم علاقاا مع الدول الأخرى. ويستند أنصار هذا الرأي على مقومين أساسين هما: * عدم وجود سلطة عليا فوق سلطة الدولة، وهذا ما يمنحها الحرية الكاملة في تحديد التزاماا الدولية، وهذا يعني أن القانون دوليا كان أو داخليا يستند دائما إلى إرادة الدولة. وأن الدولة إنما تستمد القدرة على إبرام الاتفاقيات الدولية والالتزام ا من دستورها الداخلي. * وتستمد الدولة حريتها تلك من خلال سند دستوري، وهو ذو طابع داخلي يسمح لها بتحديد السلطات المختصة بإبرام الاتفاقيات الدولية، باسم الدولة. وبالتبعية التزاماا في اال الدولي، وبمعنى آخر تستمد الاتفاقيات الدولية قوا الإلزامية من نصوص الدستور. ويترتب على ذلك أن الصدارة تكون للقانون الدستوري أي القانون الداخلي، فإذا تعارضت قاعدة دولية مع أخرى داخلية كان على القاضي الداخلي تغليب القاعدة الداخلية وإهمال القاعدة .( الدولية( 06 لكن لو أننا سلمنا باشتقاق القانون الدولي من القانون الداخلي، فهذا يعني أن هناك قواعد وقوانين دولية بعدد الدول، وأن للدولة أن تلغي القانون الدولي بإرادا المنفردة، وهذا ما ينفيه الواقع. كما أن أصحاب هذا التيار ينطلقون من وجود مصدر واحد للقانون الدولي هو الاتفاقيات الدولية، وهم بذلك يلغون وجود العرف الدولي باعتباره مصدرا أساسيا للقانون الدولي العام، وحتى المبادئ العامة التي أقرا الأمم المتمدنة، بل هم يستندون مطلقا على الدستور الداخلي؛ وهذا ما يجعلنا نجهل مصير الالتزامات الدولية لو أن هذا الدستور المستند إليه ألغي أو تم تعديله. وبالمقابل نجد العمل الدولي مستقر على الإبقاء على الالتزامات الاتفاقية الدولية بغض النظر عما قد يطرأ على القاعدة الدستورية الداخلية من تغيير إعمالا لمبدأ استمرارية الدولة، ذلك أن التزام الدولة بما تبرمه من اتفاقيات دولية مع غيرها من أشخاص القانون الدولي لا يستند إلى القانون الدستوري الداخلي، ولكنه مبني على قاعدة جوهرية في القانون الدولي هي قاعدة وجوب الوفاء بالعهد أو قدسية ."Pacta suntnservanda " الاتفاق إذن نخلص على أن هذا التيار يقودنا حتما إلى رفض القانون الدولي، لأن الاعتراف بسمو القانون الداخلي من شأنه أن يؤدي لفوضى عارمة على الصعيد الدولي تبرر عدم إيفاء الدول التزاماا الدولية استنادا لأنظمتها القانونية الداخلية. المطلب الثاني: الوحدة وسمو القانون الدولي. على إثر موجة الانتقادات الموجهة لمذهب الوحدة مع سمو القانون الداخلي، تبنى الفقهاء النمساويون وعلى رأسهم فردروس، كيتر، بوركان، وفقهاء المدرسة الاجتماعية الفرنسية جورج سال، ديجي؛ فكرة وحدة القانون مع سمو القانون الدولي واعتبروا أن القانون الدولي ينبثق عنه القانون الداخلي الذي يكون في مرتبة أدنى منه. ولذلك يرى كلسن أن القانون الدولي العام هو أساس باقي القوانين، لأن الدول وجدت في مجتمع عرفي أوجب عليها احترام الأعراف السابقة، وتكوين التشريعات لا .( يمكن أن يخالف مبادئ هذه الأعراف( 07 ويعتقد أنصار هذا التيار أنه ليس ثمة حاجة لاستقبال القاعدة الدولية في النظام القانوني الداخلي أو تحويلها إلى قاعدة داخلية حتى يتم تنفيذها ولكنها تطبق مباشرة في المحاكم الداخلية بصفتها تلك وبغض النظر عن تعارضها مع القواعد الداخلية. غير أن لكل فقيه من أنصار هذا التيار اعتبار يأخذ به في تبنيه الفكرة( 08 ) ، فقواعد القانون الدولي حسب أنصار هذا التيار؛ هي التي تحدد الاختصاص الإقليمي والشخصي للدولة، كما أا هي التي تحدد الوحدة التي ينطبق عليها وصف الدولة، ولذلك فالدولة حينما تضع قانوا الداخلي فإا تكون بصدد ممارسة أحد اختصاصاا التي خوله لها القانون الدولي العام. وعلى الرغم من أن الأخذ بفكرة وحدة القانون وسمو القانون الدولي يسمح بإعطاء سلطة للقانون الدولي، وتوحيد تطبيق القاعدة القانونية الدولية في النظم المختلفة فإن الواقع يثبت أنه لا يمكن للقانون الدولي أن يحدد اختصاصات __________________________________________________________________ علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي 163 الدولة وهو الذي نشأ زمنيا بعد القوانين الداخلية والدولة ذاا. كما أنه لا يمكن تطبيق الإلغاء التلقائي للقاعدة الداخلية المتعارضة مع القاعدة الدولية لأن عملية تعديل القاعدة القانونية الداخلية أو إلغائها خاضعة للإجراء الذي .( أنشئت به( 09 إضافة إلى أن دمج القانونين وإلغاء أية تفرقة بينهما، من شأنه أن يؤدي إلى تغليب القواعد الدولية المخالفة للدستور عليه، وهو ما لايمكن العمل به. كما أن هذه النظرية تتجاهل كل ما هو موجود من فوارق بين قواعد القانون الدولي والقانون الداخلي، غير أن أنصار هذه النظرية ردوا على ذلك بكون انتماء القانونين لنظام واحد متكامل لا يعني إلغاء التميز الموجود بينهما ما دامت أوجه تمايزهما محدودة، وكان جوهر كل منهما واحد كما هو الشأن بالنسبة للقانون الداخلي الذي يتفرع إلى قانون .( عام وقانون خاص وهما قانونان متميزان( 10 ومن المؤكد أن هناك شبه إجماع من جانب الفقه الدولي على تأييد وتأكيد مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، كما تؤكده أحكام المحاكم الدولية وأحكام المحاكم الداخلية في كثير من الدول. المطلب الثالث: الاتجاه العملي في التعامل الدولي. إن العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي، في الواقع، هي مسألة خاصة بكل دولة، لذلك نجد أنه من الصعوبة بما كان أن نجد تأكيدا واضحا للأخذ بأحد المذهبين السابقين دون الآخر، سواء في اال الدولي أو على مستوى القوانين الداخلية للدول، وهذا راجع أساسا لخصوصيات كل قانون بما قد يوحي بالانفصال بينهما، وما يقابله من إقرار بالصفة الإلزامية القانون الدولي من جانب كل الدول .( تقريبا( 11 غير أننا نجد اختلافا بين الدول في كيفية التعامل مع القانون الدولي؛ فمنها من يعترف دستورها بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي، ومنها من يعطيه مرتبة مساوية والقليل يعطيه مرتبة أدنى من القانون الداخلي. الفرع الأول: التناقض بين الوقع العملي ومذهبي الازدواجية والوحدة. إن التعامل الدولي لا يكرس أيا من المذهبين، ويحاول إيجاد مواقف وسط بينهما، وهذا راجع لتنافي الواقع مع الأخذ بأحدهما مطلقا. فنجد مذهب الازدواجية المبني على الفصل المطلق بين النظامين القانونين، ينكر كل أثر للقاعدة القانونية الداخلية على الصعيد الدولي، غير أن الواقع العملي يخالف ذلك؛ فلا تلزم الدولة فعلا بالاتفاقية المبرمة بخلاف ما تتطلبه الإجراءات الدستورية المتبعة فيها، مادام ليس هناك قاعدة عامة واضحة في القانون الدولي بذلك، كما نجد العديد من الدساتير تنص على عدم نفاذ تلك الاتفاقيات الدولية على الصعيد الدولي، وبالمقابل نجد بعض الاتفاقيات الدولية تنص على إلغاء قانون داخلي. أما بالنسبة لمذهب الوحدة؛ فلا نجد في القانون الدولي تفويضا للدول بتحديد الهيئات المختصة بإبرام الاتفاقيات الدولية وإجراءاا، في حين نجد عمليا القانون الدستوري يحدد أحكام وإجراءات إبرام الاتفاقيات الدولية. بالإضافة إلى ذلك لا نجد قاعدة عامة في القانون الدولي تقضي بالإلغاء التلقائي للقاعدة الداخلية المخالفة له، وكذلك الأمر بالنسبة للقضاء الدولي الذي لا يملك نقض أو إلغاء أحكام وقرارات القضاء الداخلي المتمتعة بحجية الشيء المقضي به، ولذلك تبقى القاعدة القانونية الداخلية المخالفة للقانون الدولي سارية المفعول حتى يتم تعديلها أو إلغاؤها وفقا لما تتطلبه الإجراءات القانونية الداخلية. وبصورة عامة نجد أن صفتي الديمومة والإلزام في النظام القضائي الداخلي لم يتم إدخالهما في نظيره الدولي إلا حديثا مع العديد من الاستثناءات. بالإضافة إلى التفاوت الكبير في الأهمية بين الأشخاص الذين يهتم م كل من قانونين. غير أن هذا التناقض والاختلاف بين دائرتي التطبيق العملي للقانونين لا يعني أن يصل إلى حد الانفصال التام والمطلق بينهما، إذ نجد بينهما نقاطا يلتقيان عندها ومواضيع يشتركان في تنظيمها، فتحاول الدول بصورة عامة، التوفيق بين قانوا الداخلي والقانون الدولي الذي لا تنكر وجوده بل _______________________________________________________________________________ 2007/ مجلة الباحث – عدد 5 164 وتنص عليه في دساتيرها، وذلك إما بإصدار تشريعات خاصة أو أا تعمد إلى إدماج القانون الدولي في تشريعاا الداخلية. كما أن القضاء الداخلي لا يعارض تطبيق القواعد القانونية الدولية متى كانت لا تتعارض مع قوانينه الداخلية، أما القضاء الدولي فهو يسعى دائما لتكريس سمو القانون الدولي على القانون الداخلي بتشجيع الدول على إجراء التعديلات التشريعية الضرورية للتوفيق بين القانونين. ناهيك عن أن الدولة كانت ولا تزال دائما المسئولة عن كل إخلال بالتزاماا الدولية نتيجة التعارض بين قوانينها الداخلية وقواعد القانون الدولي، فلا يجوز للدولة – حسب العرف الدولي والمبادئ العامة للقانون الدولي – أن تتملص عن تنفيذ التزاماا الدولية بحجة أن قانوا الداخلي لا يسمح بذلك، وقد أكدت محكمة العدل الدولية ذات المبدأ في العديد من قراراا( 12 ) ، وكذلك لم تقبل محكمة نورمبرغ الدولية الدفوع التي أبداها المتهمون بارتكاب جرائم الحرب و الإبادة والتي ذهبوا فيها إلى أن أفعالهم المرتكبة لا تخاف قوانينهم الداخلية". كما أن التحكيم الدولي سار على نفس الخطى، مقرا هو الآخر بذات المبدأ. وبصورة عامة نجد أن القاضي الدولي يكتفي بإعلاء القانون الدولي على القاعدة القانونية الداخلية أيا كانت درجتها على الصعيد الدولي، ولكنه لا يستطيع تقدير صحتها في النظام الداخلي. فالقضاء الدولي لا يعدو أن يكون قضاء تعويض لا قضاء إلغاء، وتبقى القاعدة القانونية الداخلية محافظة على آثارها في النظام الداخلي دون أن يمكن الاحتجاج ا على الصعيد الدولي. الفرع الثاني: مواقف بعض الدول في التعامل مع القانون الدولي. إذا كانت معظم الدول تقر من حيث المبدأ، بالصفة الإلزامية للقانون الدولي وهي كثيرا ما عبرت عن ذلك من خلال تصرفاا وعلاقاا الدولية، فإنه من النادر أن تذهب تلك الدول إلى حد الاعتراف الصريح بسمو القانون الدولي على كافة قوانينها الداخلية، وإن كان العديد منها يقر بسمو القانون الدولي على القوانين العادية، ولكن يضعه في مرتبة أدنى من الدستور وسنرى ذلك من خلال مايلي: -1 القانون الدولي يسمو على الدستور: إن الدول التي وضعت القانون الدولي في مرتبة أسمى من الدستور نادرة جدا إن لم نقل أا تنعدم ، فالدستور الهولندي مثلا لعام 1922 المعدل في 1963 يجعل من القانون الدولي أسمى منه، إذ يمكن للاتفاقية الدولية التي تبرمها هولندا أن تخالف الدستور، كما يمتنع على المحاكم الهولندية أن تعلن عدم دستورية الاتفاقية التي تسمو على التشريعات الداخلية اللاحقة لها والسابقة عليها، لكن المادة 63 من الدستور الهولندي تعتبر سمو القانون الدولي محدودا فهي تربطه بضرورات الحياة الدولية. -2 القانون الدولي يتمتع بقوة القانون الداخلي: وهذه الحالة؛ تعني أن يمر القانون الدولي بنفس مراحل القانون الداخلي، وأن القانون السابق يفسح اال للقانون اللاحق دوليا كان أو داخليا. وفي ذلك نجد أن القانون الدولي العرفي في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر جزءا من قانون البلاد، مع ما يترتب عن ذلك من سمو القانون الدولي العرفي اللاحق على القانون الفدرالي السابق، غير أن الاتفاقيات الدولية التي تبرمها الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر بمثابة القانون الأعلى، ومن الدساتير التي تأخذ بذات الاتجاه؛ الدستور المصري الصادر سنة 1971 في المادة 151 منه والتي تنص على أن:" رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة...". -3 القانون الدولي أدنى مرتبة من القانون الداخلي: ونجد تطبيقا لهذا في بريطانيا، إذ يقع القانون الدولي واقعيا في مرتبة أدنى من القانون الداخلي، بالرغم من المساواة الشكلية بينهما. فإذا كان القانون الدولي يعد جزءا من قانون البلاد، فإنه من الثابت أن ذلك لا يتعلق إلا بالقواعد الدولية العرفية، فالبرلمان البريطاني بإمكانه أن يسن قانونا يخالف قواعد قانونية دولية سابقة، كما أنه لا قيمة للاتفاقيات الدولية مالم يتم استقبالها عن طريق تشريع برلماني، خاصة إذا تعلقت تلك الاتفاقيات بحقوق وحريات الرعايا البريطانيين، __________________________________________________________________ علاقة القانون الدولي بالقانون الداخلي 165 وهذا يعني أن القانون الصادر لاحقا للاتفاقية الدولية له الأولوية عليها. -4 القانون الدولي يحتل مرتبة وسطا بين الدستور والقانون الداخلي: معنى ذلك أن تكون الاتفاقيات الدولية تحظى بالأولوية على القواعد القانونية الداخلية، على أن يكون الدستور في مرتبة أسمى منها. ومن ذلك نجد المادة 55 من الدستور الفرنسي 1958 التي تعتبر الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة أو الموافقة عليها والمنشورة طبقا للإجراءات القانونية الجاري العمل ا، لها سلطة أعلى من سلطة القوانين الداخلية ولكن شرط تنفيذها من قبل الطرف الآخر كذلك، أما المادة 54 من ذات الدستور، فتمنع المصادقة أو الموافقة على الاتفاقية الدولية التي أعلن الس الدستوري مخالفتها للدستور، وهذا ما يجعل الاتفاقية الدولية تقع في مترلة أدنى من الدستور. كما تبنى المشرع الجزائري نظرية وحدة القانون مع سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، وجعله في مرتبة أدنى من الدستور بنصه في المادة 132 من التعديل الدستوري لسنة 1996 على أن:" المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون" فالاتفاقية بعد المصادقة عليها تكون لها الأولوية على القانون الداخلي، لكنها تبقى أدنى من الدستور أي .( خاضعة له( 13 الخاتمة: وبعد عرضنا للخطوط العريضة للنظريات التي تناولت العلاقة بين القانونين الدولي والداخلي والقيمة العلمية لها، وكذا ما يجري عليه العمل الدولي بشأما، نجد أن كليهما يشترك في تنظيم الحياة الاجتماعية على الكرة الأرضية، وهذا الاشتراك كثيرا ما يفتح اال للتداخل والتعارض بينهما، ومن أجل إيجاد مكانة القانون الدولي في النظام القانوني الداخلي وجدنا أن الدستور الداخلي في كل دولة كان هو همزة الوصل بينهما. وإن كانت غالبية دساتير العالم تميل نحو الأخذ بوحدة القانون مع سمو القانون الدولي وتفضيله على القانون الداخلي لعدة اعتبارات؛ لعل أهمها أن في ذلك تأكيدا على التأسيس للقانون الدولي، وضرورة الالتزام باحترام قواعده. فإننا نؤكد في خاتمة هذه الدراسة على العلاقة القائمة بين القانون الدولي والقانون الداخلي من خلال التكامل الذي نلمسه يربط بينهما عمليا؛ فكثيرا ما اعتمد القضاء الدولي على أحكام القانون الداخلي والعكس كذلك. كما أننا وجدنا اشتراك معظم الأنظمة القانونية في الدول المختلفة في الاعتراف بسمو القانون الدولي الاتفاقي على القواعد القانونية الداخلية، وهذا ما أدى إلى تطور طرق الموافقة على قواعد القانون الدولي عن طريق الممارسة الدولية. هذه النتيجة تقودنا إلى حتمية الاعتراف بسمو القواعد القانونية الدولية الاتفاقية- تحديدا - على القواعد القانونية الداخلية. وبذلك سنكون أمام عملية نفاذ الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الداخلي، والذي يطرح إشكالية تطبيق الاتفاقيات الدولية أمام القاضي الداخلي، وعلى وجه التحديد القاضي الجزائي الجزائري وهو ما سنتناوله بالبحث في دراسات لاحقة. _______________________________________________________________________________ 2007/ مجلة الباحث – عدد 5 166 الهوامش والمراجع : Mosler (H), L'application du droit international public par les tribunaux nationaux , (01) R.C.A.D.I.L, Tome1, 1957, P 633 et suit. Charel Rousseau, droit international public, Tome1,Sirey, Paris: 1970,P 39 et (02) suit. 03 ) إبراهيم العناني، القانون الدولي العام، القاهرة: دار النهضة العربية، سنة 1999 ، ص 71 ؛ عبد العزيز سرحان، مبادئ القانون ) .116 - الدولي العام، القاهرة: دار النهضة العربية،سنة 1980 ، ص ص: 79 . 04 ) علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، الإسكندرية: منشأة المعارف، سنة 1985 ، ص 93 ) . 05 ) شارل روسو، المرجع السابق، ص 20 ) ، 06 ) أبو الخير أحمد عطية عمر، ، نفاذ المعاهدات الدولية في النظام القانوني الداخلي، القاهرة: دار النهضة العربية، سنة 2003 ) . ص 34 . 07 )أحمد اسكندري، محاضرات في القانون الدولي العام، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، سنة 1994 ،ص 34 ) ؛ 08 ) أنظر: محمد بوسلطان، مبادئ القانون الدولي العام، الجزء الأول،الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، سنة 1994 ، ص 37 ) . محمد يوسف علوان، المرجع السابق، ص 90 09 ) راجع في الموضوع: حسن كيرة، المرجع السابق؛ محمد حسين منصور، نظرية القانون، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة ) . للنشر، سنة 2000 10 ) محمد سامي عبد الحميد، أصول القانون الدولي" القاعدة الدولية"، الجزء 02 ، الطبعة 07 ، الإسكندرية: دار المطبوعات ) . الجامعية، سنة 1995 ، ص 110 (11) G.I.Tunkin, Droit international public, paris:1965,; Charles Chaumont, Recueil des cours de l'académie de droit international, R.C.A.D.I, Tome 129; Susanne Bastid, cours de droit international Public, les cours de droit, Paris: 1976- 1977. 1951 ؛ وقضية الرعايا الأمريكان في المغرب عام 1952 ؛ راجع أحمد سرحال، المرجع /12/ 12 ) أنظر مثلا قضية المصائد في 18 ) . السابق، ص 38 . 13 ) حسيني بوديار، الوجيز في القانون الدستوري، عنابة: دار العلوم، سنة 2003 ، ص 100 ) | |
|
محمد السعيد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1113 تاريخ التسجيل : 13/11/2009
| |