دوافع الاحتلال الفرنسي لمنطقة تقرت*
أ. رضوان شافو (المركز الجامعي بالوادي)
تقديم : إن احتلال فرنسا للجزائر قام أساسا على اختراع حادثة المروحة ، لتكون المبرر الرسمي عن احتلال الجزائر في 5 جويلية 1830 ، ولكن الهدف كان من أجل تحقيق طموحات سياسية واقتصادية و اجتماعية وثقافية ودينية ، و لقد اعتبر القادة الفرنسيون بعد سقوط مدينة الجزائر أنهم سوف يخضعون بقية المناطق الأخرى في ظرف خمسة عشر يوما ، وهذا ما صرح به قائد الحملة "الجنرال دي بورمون" عندما كتب إلى حكومته قائلا: » إن العرب ينظرون إلينا كمحررين ،وإن الجزائر سوف تخضع لسلطاننا قبل خمسة عشر يوما .«[1]لكن الحكومة الاستعمارية تفاجئت بوجود مقـاومة عنيفة مستبسلة من طرف الشعب الجزائري في هذه المناطق الجنوبية .
وإن احتلال منطقة تقرت وما جاورها ما هي إلا حلقة من حلقات هذا التوسع الاستعماري ، لا سيما أن هذه المنطقة كانت تحتل مكانة هامة ، وذات نفوذ كبير عبر التاريخ ، ويندرج اهتمام الفرنسيين بهذه المنطقة ضمن اهتمامهم العام بالجنوب الجزائري والصحراء ، وهو قد بدأ منذ احتلالهم لمدينة الجزائر من جهة ،وتحول الجنوب إلى معاقل للثوار والمجاهدين الذين فشلوا في مقاومة قوات الاحتلال بمنطقة الشمال بغية الاستعداد مرة ثانية للمقاومة خاصة بعد أحداث ثورة سكان واحة الزعاطشة ببسكرة ، وحركة الشريف محمد بن عبد الله بواحات الاغواط و ورقلة من جهة أخرى ، ويعتبر سقوط واحة الزعاطشة في يد السلطة الفرنسية إثر الحملة العسكرية يوم 24 سبتمبر 1849 بداية الدخول الفرنسي القوي في الصحراء بعد احتلال بسكرة عام 1844 ، وبعد إخضاع منطقة الزيبان بوابة الصحراء سارعت السلطات الفرنسية إلى استكمال مشروعها للتوسع نحو الصحراء الجزائرية قبل أن يظهر فيها زعيم ديني وقومي مثل الأمير عبد القادر يهدد وجودها ، ويمنع توسعها نحو الجنوب ، فكانت الوجهة الأولى احتلال منطقة الاغواط سنة 1852 وورقلة سنة 1853 ، ومنطقة وادي ريغ سنة 1854 ، وسنحاول في هذه المداخلة معرفة دوافع الاحتلال الفرنسي لمنطقة تقرت وضواحيها.
أولا /الدوافع السياسية : لقد استهوت خيرات الصحراء المستعمرين وأسالت لعابهم ،وأصبحت ركيزة أساسية في الإستراتيجية المستقبلية للاستعمار الفرنسي، ومن أجل أن تستكمل فرنسا تحقيق حلمها القديم الداعي إلى تكوين إمبراطورية استعمارية بدءا من شـمال إفـريقيا ومرورا بالصحراء الجزائرية إلى غرب القـارة السمراء ،خاصة وأنه كانت لفرنسا مستعمرات في إفريقيا الغربية لتجارة الرقـيق في السينغال وغيره.[2]
- أضف إلى ذلك أنه منذ سنة 1854 – وهي السنة التي تم فيها إخضاع منطقة تقرت وجوارها من طرف القوات الفرنسية الاستعمارية – أصبح نفوذ فرنسا قويا بهــذه المستعمرات.
-دراسة السكان والمكان وجمع مختلف المعلومات عن المنطقة خدمة للسياسة الاستعمارية التي انتهجتها فرنسا في ذلك الحين وهي السيطرة على الصحـراء الجزائرية وتطبيقا للمقولة الشهيرة »يجب معرفة الناس للسيطرة عليهم وقيادتهم« .[3] وعليه فإن دراسة السكان قد استهدفت التغلغل إلى أعماق مجتمع المنطقة لمعرفة مكوناته ونقاط ضعفه ،حتى يسهل للفرنسيين التحكم في هذا المجتمع من الداخل ولإبعاد أية مقاومة من شأنها أن تعرقل المشاريع الاستعمارية الفرنسية بالمنطقة.
وعلى هذا الأساس عمل الفرنسيون على تقسيم الجزائريين بتشجيع الصراعات العرقية و الطائفية تطبيقا » لسياسة فرق تسد « ، وهكذا انطلقت سياسة التفريق بين الأعراش والعائلات :
إذ شجعوا فرحات بن سعيد من عائلة بوعكاز ضد شيخ العرب ابن قانة ، كما وسعوا من هوة الخلافات بين أمراء بني جلاب »سـلاطين تقرت «حول السلطة ، خاصة بين عبد الرحمان بن عمر وابنه عبد القادر ضد سلمان بن علي ،كما حاولوا احتواء الطرق الصوفية مثل فرع الطريقة التجانية بتماسين لما لها من تأثير روحي على المجتمع المحلي ،إذ شجعوا الصراع بين سلاطين بني جلاب وشيخ الزاوية محمد العيد على السلطة الزمنية والروحية ، هذا الصراع الذي يعود منذ تأسيس فرع الزاوية التجانية بتماسين من طرف الشيخ الحاج علي الينبوعي عام 1220هـ/1805م.
أما فيما يخص دراسة المكان فكان من أجل معرفة الطرق والمسالك والمواقع الإستراتيجية الضرورية لتمركز ومرابطة الوحدات العسكرية الفرنسية في المستقبل مع الاهتمام بمسألة التنقيب عن المياه وتحديد مواقعها قصد تموين أية بعثة استكشافية أو فرقة عسكرية تنوي عبور منطقة الجنوب الشرقي الجــزائــري.[4]
- محاولة تفكيك المجتمع الجزائري وتقسيمه ، وذلك بفصل الصحراء عن الشمال وتكوين دولة مستقلة جديدة تضم كل سكان الصحراء ، ومنها يتم تفريغ الصحراء من سكانها وتجميعهم في ناحية حتى تسهل السيطرة عليهم سياسيا وعسكريا ، والتخلص من المقاومة الآتية من الجنوب الجزائري ، ثم العمل على عزل الشمال عن الجنوب تمهيدا لمشروع الفصل بينهما لاحقا، وفكرة تقسيم الصحراء يمكن إرجاعها إلى سنة 1844 عندما أصدر البرلمان الفرنسي قانونا ينص على توسيع منطقة الاحتلال نحو الجنوب.
ثانيا / الدوافع العسكرية :إن احتلال فـرنسا للصحراء الجزائـرية يدخل في حسابات وضعتـها في برنامجها التوسعي الاستعماري والمتمثل في محاولة حصار تونس عسكريا واقتصاديا من ناحية الجنوب الشرقي بحكم التبادلات التجارية والعلاقات الاجتماعية بين منطقتي الجريد التونسي ووادي سوف تمهيدا لفرض الحماية عليها هذا من جهة ، وحصار المغرب الأقصى من ناحية الجنوب الغربي الجزائري ، ثم بعد ذلك التمهيد لابتلاع موريطانيا والذي تم عام 1920م من جهة أخرى ، ومنها تحقيق الحلم الذي طالما راود أذهان الفرنسيين وهو السيطرة على منطقة الشمال الإفريقي.
- احتواء الثورات الشعبية والحركات التحررية في مستعمرات فرنسا الافريقية قصد جعل الصحراء الجزائرية القاعدة العسكرية التي تمون أوروبا في حالة أي اعتداء أجنبي ، والقاعدة السياسية التي تمارس منها فرنسا الضغوطات على مختلف الثورات في إفريقـــيا.
- منذ احتلال بسكرة سنة1844 كانت فرنسا تتجه بأنظارها نحو تقرت باعتبارها أول مدينة كبيرة في الطريق إلى أعماق الجنوب ، وكانت لا ترتاح إلى المناطق الصحراوية ، إذ تنظر إليها على أنها بلاد غامضة لا أمان فيها فضلا عن مناخها الصعب ، أضف إلى ذلك أن حملتي الأمير عبد القادر على عين ماضي في1838 ، وعلى بسكرة في 1839 شكلتا في أعين الفرنسيين مؤشرا مقلقا على وجود حلفاء صحراويين للأمير ، لكون الثورات التي كانت تندلع في الشمال كانت تجد في الجنوب والواحات عند فشلها مركزا لتجديد المقاومة ،وعلى هذا الأساس كان لابد على الفرنسيين من إخضاع كل المناطق الصحراوية المتبقية.
واستعدادا لمواجهة هذا الظرف قررت الحكومة الفرنسية القيام بإجراءات وعمليات توسعية سريعة وشديدة لتقبض قبضتها على الجنوب الجزائري حتى تضمن بسط نفوذها على كامل التراب الـوطني وبالفعل بعدما تم القـضاء على ثورة الحـاج المقـراني 1871 كانت الصحراء قد بلغتها التوسعات الاستعمارية .[5]
- السعي إلى تعزيز الوجود الاستعماري الفرنسي بالمنطقة ،لذلك عملت الحكومة الفرنسية بكل ما تملك من إمكانيات لإبعاد خطر منافسة بريطانيا في التوغل داخل الصحراء الجزائرية، لاسيما بعدما راج في ذلك العهد محاولات التوسع الإنجليزية و الإسبانية و الألمانية في الصحراء بغية تكوين إمبراطوريات ، وعليه لجأت السلطات الفرنسية إلى إبرام اتفاق فرنسي ـ إنجليزي يوم 5 أوت 1890 يجعل كل أراضي الجنوب الجزائري مناطق نفوذ فرنسية.[6]
ثالثا/ الدوافع الاقتصادية :الاستحواذ على الثروات الطبيعية والمعدنية والطاقوية وتحقيق استثمار صناعي إلى أبعد الحدود في الصحراء الجزائرية ، خاصة وأن فرنسا كانت تدرك أنها متخلفة صناعيا عن منافستها بريطانيا في تلك الفترة ، وفي هذا الصـدد يقول الاقتصادي الفـرنسي بول ليـروا بولـيوP.Leroy Beaulieu الذي كان يحلم أن تصبح الصحراء الجزائرية مثل فرنسا أو مشابهة لشمال الجزائر، إذ يقول :» يتراءى لنا أن الصحراء الجزائرية على جانب كبير من الثروة المعدنية والمدخرات المنجمية المتنوعة.«[7]
- زيادة على ما سبق استغلال الطرق التجارية الصحراوية للسيطرة على خيرات إفريقيا من جهة و استغلال الصحراء كسوق استهلاكية لمنتجات أوربا من جهة أخرى، وفي هذا الصدد يقول" الـمارشال سولتSoult " الذي كان آنذاك وزيرا للحربية [8]: » …إن الصحراء في هذه الفترة يمكن اعتبارها أهم مركز للبحث عن الأسواق التجارية الرابطة بين الصحراء والشمال الإفريقي من جهة والصحراء الجزائرية وإفريقيا السوداء من جهة ثانية….«، ويصف التقرير الذي أرسله الوالي العام بيجو Bugeaud إلى المارشال سولت في نفس الاتجاه وفيه يقول[9] : » …وبسيطرتنا على هذه المناطق تنفتح لنا آفاق واسعة لازدهار تجارتنا وربطها بإفريقيا الداخلية …«.
و هكذا ففي عام 1844 أصدر البرلمان الفرنسي قرارا يقضي بتقدم قواته نحو الجنوب ، و إنشـاء مراكز عسكرية خاصة في المناطق الإستراتيجية الرئيسة ، تتحكم في مرور القوافل التجارية من جهة ، وتضمن لهم الأمن للمعمرين وتسمح لهم بالتصدي لمقاومة سكان الصحراء من جهة ثانية ، و منه بسط نفوذه على الشريط الواقع ما وراء الأطلس الصحراوي ، وتم احتلال ما بين 1844 و 1854 بسكرة و الجلفة و الاغواط و سعيدة و عين الصفراء ، ثم ورقلة وتقرت ووادي سوف ، واحتلت تونس أيضا ،وما إن حلت سنة 1911 حتى تمكن الفرنسيون من الدخول إلى كامل الصحراء ، وفي هذه الأثناء كانت الإدارة الاستعمارية قد أصدرت مرسوما في 9/12/1848 اعتبرت فيه الجزائر قطعة من فرنسا و قسمت أراضيها إلى ثلاثة عمالات موضحة(عمالة قسنطينة+ الصحراء الشرقية/ عمالة الجزائر+ الصحراء الوسطى/ عمالة وهران+ الصحراء الغربية).
________________________________________
* محاضرة ألقيت بالملتقى الوطني الخامس عشر حول المقاومة الشعبية ضد التوغل والاستيطان الاستعماري الفرنسي في الجنوب الجزائري بدار الثقافة مفدي زكرياء يوم 27 فيفري 2011
[1] إبراهيم مياسي ،من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ،1999، ص39.
[2] يحي بوعزيز، الاستعمار الأوروبي الحديث في إفريقيا وآسيا وجزر المحيطات ،الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 1988 ، ص 41.
[3] محمدو بن محمذن ، »الرحلات الاستكشافية الفرنسية في الصحراء الكبرى )الدوافع والعراقيل(« ،مجلة العلوم الإنسانية ، جامعة منتوري بقسنطينة ،ع 20 ، ديسمبر 2003 ، ص 158 .
[4] محمدو بن محمذن ، مرجع سابق ، ص .163
[5] إبراهيم مياسي ، توسع الاستعمار الفرنسي في الجنوب الغربي الجزائري 1912-1881 ، الجزائر ، منشورات المتحف الوطني للمجاهد ، 1996 ، ص 77.
[6] المرجع نفسه ، ص 77.
[7] الصادق دهــاش ، مرجع سابق ، ص 49 ، نقـــلا عن : اندري نوشي وآخــرون ، الجــزائر بين المــاضي والحــاضر
[8] الصادق دهــاش ، مرجع سابق ، ص 48.
[9] E.Mangin , « Notes sur L´histoire de Lagouat » , R.A, Alger , O.P.U , N°38 , 1894 , p87.