خرج الاٍثنان مهاجران الى المدينة حيث سبقهما المسلمون هناك, خرجا
هربا و عيونهم ترقب و قلبيهمايخفق يسألان الله النجاة , لأن محمدا
عليه الصلاة و السلام متوعدا بالقتل من بني قومه.
فيجدان ذلك الغار المهجور ليتخبئا فيه , فيدخلان اٍليه لعلهما
يأمنا على روحيهما من البطش و القتل.
لكن سرعان ما تتحرك عيون قريش و أرجلهم ليلحقوا بهما فيقفون على
فتحة الغار , فيرتعد أبو بكر رضي الله عنه و يخاف أن ينظروا محل
أقدامهم فيرونهم فيقتلون صاحبه و تنتهي الدعوة , فتتحرك شفتاه بهمس
مع خوف فيقول: " يا رسول الله لو أن أحدهم نظر الى قدميه
أبصرنا تحت قدميه....فياتيه ذلك التطمين من الرسول صلى الله عليه
و سلم ....و تأتيه كلمات من حبيبه عليه الصلاة و السلام ليهدأ
روعه و تطمئن نفسه و يرتاح فؤاده فيقول عليه الصلاة و السلام:
"يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" رواه مسلم
ياالله مما فعله عليه الصلاة و سلام و كيف استطاع بجملته أن يسحب
كل خوف سكن في نفس أبي بكر رضي الله عنه .
لم ينهره عليه الصلاة و السلام و لم يسخر به و لم يقلل من حجم
خوفه , بل طمأنه و سكن فؤاده و أراح قلبه بكلمات يسيرات
جعلت أبا بكر رضي الله عنه يرتاح و يهدأ روعه.
فمن يأتيني بمثل أخلاقه عليه الصلاة و السلام و يفعل فعله؟
فالانسان في حال الكرب و الشدٌة و في حال الفزع يحتاج لمثل هذا
الدفع و هذا الثبات, يحتاج من يقول له معنى جملة
"ما ظنك باثنين الله ثالثهما" لتسكن نفس الحزين و يطمئن قلبه
و ليشعر أن هناك من يشعر به و يعلم به و يقدٌر مشاعره و يعلم
ما تختلجه نفسه من الآلام.
أما احتقار المشاعر أو وصف صاحبها بصفة المبالغة في المشاعر أو
التهميش دواخله, كل هذا مما يزيد الحزن حزنا.
و لابد من شكوى لذي مروءة.....يواسك أو يسليك أو يتوجع
فكم بيننا اليوم من يقول بقلبه:
ليل طويل و ضوء البدر مبتور
و الحزن في صفحة الوجدان مسطور
كم قائل حين يلقاني و في شفتي
طيف ابتسام و في وجهي تباشير
هذا السعيد فما في عيشه نكد
هذا الذي صدره بالبشر معمور
هذا الذي شبعت أعماقه فرحا
فنفسه عذبة و القلب مسرور
يقولها ما درى عمٌا أكابده
من الهموم فمطوي و منشور
يقولها ما درى أني على كمدي
أطوي فؤادي و أن الحزن مطمور
للأسف أننا نفتقد أذنا و قلبا و عينا مثل ما كان عليه. عليه
الصلاة و السلام و لا يوجد هذا الخلق الا في نوادر الناس.
فلنمضي معا نحو قلوب الناس و لتحتوي قلوبنا قلوبهم و لنسمع
و نستمع و لنشارك فاٍن القلب السامع يبرٌد حرٌة الحزن حتى يأتي
الله بالفرج.